ملف من إنجاز / لطيفة نفيل //
أثار الاجتياح الروسي لأوكرانيا موجة شد وجذب عالمية، كما كان سببا في عودة الصراع التاريخي بين المعسكرين الشرقي والغربي، هو صراع متعدد الأوجه هدفه اختبار القوى وسطوع نجم القوة الضاربة عالميا، في أفق سطوع نجم من ستكون له الريادة الاقتصادية والسياسية عالميا، ولعل الاجتياح الروسي لأوكرانيا حاليا ليس إلا محاولات متتالية لاختبار الصبر النووي للدول العظمى.
فإلى أي حد يمكن أن تستمر الحرب على الأراضي الأوكرانية؟ وما مدى احتمالية توسع الحرب على مستوى دول البلقان كلها؟ أو حتى توسعها على مستوى أوروبا الشرقية والغربية على حد سواء طالما أن حلف “الناتو” يترقب بحذر مرفوق بإجراءات التأهب القصوى للرد على أي خطوة روسية عدائية اتجاه دول الحلف؟ وإلى أي حد يمكن للغرب أن يمدد محاولات استنزاف روسيا اقتصاديا وعسكريا من خلال الحرب بالوكالة الأوكرانية؟ وهل ستقف مطامح فلاديمير بوتن عند حد اجتياح الحدود الأوكرانية، أم أن مطامح موسكو تفوق ضم جزء من الأراضي الأوكرانية إلى محاولة إعادة ضم كل أراضي الاتحاد السوفياتي سابقا؟ وهل بالفعل دقت طبول الحرب العالمية الثالثة كما أعلنت موسكو في الأيام القلية الماضية، أم أن إعلانها يجب أن يكون من الجانبين المتناحرين؟ هذه كلها أسئلة سيجيب عنها هذا الملف.
أوكرانيا تموقع جغرافي واقتصادي هام على الخريطة الأوروبية
الحديث عن الاجتياح الروسي لأوكرانيا لمحاولة فهم الموقع الجغرافي لأوكرانيا وثرواتها الطبيعية والأسباب التي قد تدفع موسكو لاجتياحها عسكريا فأوكرانيا هي سابع أكبر دولة في أوروبا بحيث تقع في شرق أوروبا على سواحل البحر الأسود، ويبلغ عدد سكانها حوالي 44 مليون نسمة، وعاصمتها هي مدينة كييف ومساحتها سنة 1991 بعد تفكك الاتحاد السوفيتي تتعدى 603 آلاف كيلومتر مربع، وهي ثاني أكبر دولة في أوروبا مساحة بعد روسيا، بحيث أن ما يناهز 7 في المائة من مساحة أوكرانيا، تحتلها روسيا في شكل شبه جزيرة القرم التي تقع في البحر الأسود جنوب أوكرانيا منذ سنة 2014، الى جانب بعض الأجزاء من شرق البلاد.
وتعد كييف عاصمة أوكرانيا وأكبر مدنها التي يبلغ عدد سكانها 3 ملايين نسمة، بحيث تنقسم أوكرانيا إداريا، الى 27 منطقة، وهي 24 ولاية “أوبلاست” وجمهورية تتمتع بالحكم الذاتي ومدينتين تتمتعان بوضع خاص، إذ يشكل الأوكرانيون 77 في المائة من سكان أوكرانيا، بينما يشكل الروسيون حوالي 12 في المائة، كما تضم أوكرانيا سبعة مواقع مدرجة كمواقع تراثية عالمية لليونسكو، وبالمقابل تعد أوكرانيا أفقر دولة في أوروبا من حيث نصيب الفرد من الناتج المحلي الذي يعادل 4,384 دولارا أمريكيا، في حين أن الجيش الأوكراني هو سادس أقوى جيش في أوروبا، كما توجد في أوكرانيا أكبر صحراء رملية في أوروبا، وهي صحراء أولسكي بمساحة تبلغ 1,612 كيلومتر مربع .
أما بخصوص الثروات فأوكرانيا تعد الأولى في أوروبا من حيث الاحتياطيات المؤكدة القابلة للاسترداد من خامات اليورانيوم، كما تحتل المركز الثاني في أوروبا والمركز العاشر في العالم من حيث احتياطي خام التيتانيوم ، وأيضا المركز الثاني في العالم من حيث الاحتياطيات المستكشفة من خامات المنغنيز ب 2.3 مليار طن، أي 12 بالمائة من احتياطيات العالم، كما تحتكم على ثاني أكبر احتياطي لخام الحديد في العالم بقيمة 30 مليار طن ، والمركز الثاني في أوروبا من حيث احتياطيات خام الزئبق، والمركز الثالث في أوروبا بالمركز الثالث عشر في العالم، في احتياطي الغاز الصخري ب 22 تريليون متر مكعب، كما تحتل المرتبة الرابعة في العالم من حيث القيمة الإجمالية للموارد الطبيعية ، والمركز السابع عالميا في احتياطي الفحم ب 33.9 مليار طن.
أما عن الثروة الاقتصادية، فاقتصاد أوكرانيا فلاحي بامتياز إذ تحتل المرتبة الأولى في أوروبا من حيث مساحة الأراضي الصالحة للزراعة، والمركز الثالث في العالم من حيث مساحة التربة السوداء بـ 25 بالمائة من حجم العالم، والمركز الأول في العالم في صادرات زيت عباد الشمس، والمركز الثاني عالميا في إنتاج الشعير والمركز الرابع في صادرات الشعير، كما تحتل مرتبة ثالث أكبر منتج ورابع أكبر مصدر للذرة في العالم، ورابع أكبر منتج للبطاطس في العالم ، والمركز الخامس عالميا في إنتاج عسل النحل بمعدل 75 ألف طن، والمركز الثامن في العالم في صادرات القمح ، والمركز التاسع في العالم في إنتاج بيض الدجاج، والمركز السادس عشر على مستوى العالم في صادرات الجبن، بحيث يمكن لأوكرانيا تلبية الاحتياجات الغذائية لنحو 600 مليون شخص.
أما عن الاقتصاد الصناعي فأوكرانيا تعد الأولى في أوروبا في إنتاج الأمونيا، ورابع أكبر نظام لأنابيب الغاز الطبيعي في العالم ب142.5 مليار متر مكعب من سعة إنتاج الغاز في الاتحاد الأوروبي، وثالث أكبر شركة في أوروبا والثامن في العالم من حيث القدرة المركبة لمحطات الطاقة النووية ، كما تحتل المركز الثالث في أوروبا والمركز الحادي عشر في العالم من حيث طول شبكة السكك الحديدية بـ21 ألفا و700 كم ، والمركز الثالث في العالم بعد الولايات المتحدة وفرنسا في إنتاج أجهزة تحديد المواقع ومعدات تحديد المواقع، ثالث أكبر مصدر للحديد في العالم، ورابع أكبر مصدر للتوربينات لمحطات الطاقة النووية في العالم ،رابع أكبر مصنع لقاذفات الصواريخ في العالم ، كما تحتل المركز الرابع في العالم في صادرات الطين، المركز الرابع في العالم في صادرات التيتانيوم، المركز الثامن في العالم في صادرات الخامات والمركزات، المركز التاسع في العالم في صادرات منتجات الصناعات الدفاعية، عاشر أكبر منتج للصلب في العالم بـ 32.4 مليون طن.
ليست المرة الأولى للاجتياح الروسي لدول البلقان
الاجتياحات الروسية لدول شبه جزيرة البلقان من التي كانت محسوبة على الاتحاد السوفياتي ليس بالأمر الجديد على أجندة السياسة لفلاديمير بوتن فقد سبق لروسيا أن اجتاحت في شهر يونيو من سنة 1999 إقليم كوسوفو وحاصرت مطار برشتينا من جهته الجنوبية الغربية، بهدف مساندة الرئيس الصربي سلوبودان ميلوسوفيتش في مواجهة قوات تابعة للحلف الأطلسي وجيش تحرير كوسوفو، الامر الذي تبعه ضغط الدول الغربية، التي دفعت الدبلوماسية الروسية لان تقر بإن التدخل كان مجرد خطأ وإن تلك القوات ستغادر البلد الذي شهد نزاعا بين الصرب والكوسوفيين، وإنها مستعدة للمساهمة في تحقيق الاستقرار والأمن هناك.
ففي عام 1994 دخلت القوات الروسية إلى الشيشان وظلت هناك طيلة عامين انتهت بانتصار الشيشانيين الذين بادروا لإعلان استقلال بلادهم عن النفوذ الروسي، وإعلان جمهورية الشيشان بعد توقيع الرئيس الروسي يومها بوريس يلتسين عام 1996 إعلان وقف إطلاق النار، وتلاه توقيع اتفاقية سلام، وفي عام 1999 عاودت روسيا التدخل العسكري في الشيشان مجددا وسيطرت عليها وضمتها للاتحاد الفدرالي الروسي، كما استمرت المقاومة المسلحة الشيشانية في جميع أنحاء منطقة شمال القوقاز في إلحاق خسائر جسيمة بالروس وتحدي السيطرة السياسية الروسية على الشيشان لعدة سنوات، الى أن أعلنت الحكومة الروسية انتهاء العمليات في الشيشان رسميا وسحبت الجزء الأكبر من الجيش من المنطقة بتاريخ 15 أبريل 2009.
الحرب الشيشانية الروسية تلاها بعد ذلك هجوم عسكري من جورجيا على مقاطعتي جنوب أوسيتيا وأبخازيا المواليتين للروس كما تم قصف مدينة غوري ومطار مارنيولي العسكري بشرق جورجيا ومرفأ بوتي على البحر الأسود بمطلع شهر غشت 2008، وهو ما علله آنذاك رئيس الوزراء الروسي يومها فلاديمير بوتين بـمحاولة صد “السياسة الإجرامية” التي تنتهجها جورجيا، وطلبت الأخيرة مساعدة دولية عاجلة، بينما دعت دول البلطيق الثلاث ليتوانيا وإستونيا ولاتفيا مع بولندا الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي “الناتو” إلى معارضة “السياسة الإمبريالية” لروسيا، إلى أن أعلنت موسكو استكمال سحب قواتها من جورجيا، لكن تبليسي نفت ذلك، بينما اتهمت واشنطن وباريس الجانب الروسي بعدم الالتزام بخطة وقف إطلاق النار متم شهر أبريل من سنة 2015.
شبه جزيرة القرم الهاجس الروسي المطل على البحر الأسود
تعد شبه جزيرة القرم أحد أهم أسباب الحرب الروسية على أوكرانيا، فأوكرانيا الساعية للانضمام لحلف الناتو قد تعمد للمطالبة بإعادة ضم شبه جزيرة القرم الى أراضيها وهي المنطقة التي تقع في النفوذ الترابي لأوكرانيا وكانت روسيا قد عمدت للسيطرة عليها بعد أيام من فرار الرئيس الأوكراني فيكتور يانوكوفيتش من العاصمة كييف في أواخر فبراير 2014، حيث تمت السيطرة على شبه جزيرة القرم، ذاتية الحكم، سيمفروبول، ومدينة سيفاستوبول التي تدار بشكل مستقل، والتي تعد موطنا لقاعدة بحرية روسية بموجب ميثاق خاركيف عام 2010، وبضم الاتحاد الروسي لشبه جزيرة القرم، رفضت أوكرانيا ومعظم المجتمع الدولي الاعتراف بالضم، حيث أعلن البرلمان الأوكراني أن شبه جزيرة القرم هي أرض محتلة مؤقتا من قبل روسيا، التي عززت من وجودها العسكري في المنطقة، حيث قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إنه ستتشكل قوة عمل عسكرية روسية بشبه جزيرة القرم، تلاهتها سيطرة روسية على أجزاء من لسان أربات الرملي الذي يضم مركزا هاما لتوزيع الغاز، الى جانب الجزر المحيطة بسيفاش والتي تعد أجزاء جغرافية من شبه جزيرة القرم، ولكنها جزء إداري من مناطق خيرسون أوبلاست.
وبالمقابل صرح حلف الشمال الأطلسي “الناتو” باعتقاده أن روسيا كانت تنشر أسلحة نووية في شبه جزيرة القرم، وفي سنة 2016 أكدت أوكرانيا أن روسيا زادت من وجودها العسكري على طول خط حدود القرم، كما أغلقت المعابر الحدودية، بالشكل الذي جعل الرئيس الأوكراني بيترو بوروشنكو آنذاك يحذر من أن روسيا كانت تستعد لغزو شامل لأوكرانيا، حيث أطلقت سفن حربية روسية سنة 2018 النار على ثلاث سفن أوكرانية، وهي كل من سفينة “بي 175″، و “بيرديانسك” وسلسلة القوارب الصغيرة المدرعة غيورزا-إم “بّي 176” في نيكوبول وقارب “إيه 947” ياني كابو، وهو ما دفع البرلمان الاوكراني لفرض الأحكام العرفية على طول المناطق الساحلية الأوكرانية والمناطق المتاخمة لروسيا ردا على إطلاق روسيا النار على السفن البحرية الأوكرانية والاستيلاء عليها بالقرب من شبه جزيرة القرم.
الحرب الأوكرانية- الروسية الأولى
معلوم أن أوكرانيا تشترك في الحدود مع دول في الاتحاد الأوروبي، بالإضافة إلى روسيا، وذلك لكونها تعد جمهورية سوفياتية سابقة، بالشكل الذي جعل روسيا تطمح دائما لفرض وصاية عليها، خاصة وأن أوكرانيا تسعى جاهدة للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي الذي يضم 27 دولة في القارة، أو حلف شمال الأطلسي “ناتو” (NATO)، أو امتلاك بنية تحتية للناتو على أراضيها، الامر الذي ترى فيه روسيا تهديدا مباشرا لأمنها القومي، طالما أنها ستكون أمام مواجهة دولة أوكرانيا العضو في اتفاقية الدفاع المشترك الأوروبي، مما يعني وجود قوات الناتو وقوات أوروبية على الحدود الروسية، وهو ما لم ولن ترضى به روسيا، التي علقت من خلال رئيس الاوكراني السابق فيكتور يانوكوفيتش، والذي عرف بموالاته لروسيا آنذاك الاستعدادات لتنفيذ اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي، سنة 2013 الامر الذي أشعل فتيل احتجاجات واسعة النطاق واحتكاكات بين حركات انفصالية والقوات النظامية الأوكرانية بالعاصمة الأوكرانية والتي استمرت إلى حدود سنة 2014، حيث أطاحت بالرئيس، الذي تم عزله وفر خارج البلاد، الامر الذي دفع روسيا لغزو مناطق أوكرانية نتج عنها ضم روسيا لمنطقة شبه جزيرة القرم الأوكرانية المتمتعة بحكم ذاتي.
الاجتياح الروسي لأوكرانيا وإن تراجع سنة 2014 إلا أن أسبابه ظلت مستمرة طالما وأن الشعب الأوكراني يطمح غالبته للانضمام للاتحاد الأوروبي كما أن القيادة السياسية الحاكمة الجديدة تصر على مطمح الانضمام للمعسكر الغربي لحلف الناتو، وهو ما جعل روسيا تقدم على حشد قواتها على الحدود الأوكرانية، الامر الذي حرك الغرب لاتهام روسيا بنوايها لاجتياح أوكرانيا تمهيدا لغزوها، وذلك عقب إجراء روسيا لتدريبات واسعة لقوات الإنزال التابعة لقوات المنطقة العسكرية الجنوبية، خصوصا في شبه جزيرة القرم، التي اختتمت في شهر أبريل الماضي بالإعلان عن عودة القوات المشاركة فيها إلى مناطق المرابطة الدائمة.
وبالمقابل، أطلق الناتو أكبر مناورات له في أوروبا منذ الحرب الباردة تحمل اسم “مدافع أوروبا، كما واكب ذلك إجلاء كل من الولايات المتحدة وبريطانيا وكندا، لدبلوماسيها من أوكرانيا، بينما علقت عدد من شركات الطيران رحلاتها إلى كييف، وقدمت الولايات المتحدة وبريطانيا ودول البلطيق مساعدات عسكرية إلى حكومة كييف لتعزيز قدراتها الدفاعية في مواجهة خطر “الغزو الروسي”، بينما أرسلت واشنطن ولندن قوات إضافية إلى القارة الأوروبية.
إدانة أمريكية غربية للاجتياح الروسي لأوكرانيا
أدان المجتمع الدولي والمنظمات الحقوقية مثل منظمة العفو الدولية ما فعلته روسيا في أوكرانيا، متهمةً إيّاها بخرق القانون الدولي، وانتهاك السيادة الأوكرانية. وفرض كل من الاتحاد الأوربي والولايات المتحدة عقوبات اقتصادية على روسيا، وعلى أفراد وشركات روسية، فعلى الرغم من كون أوكرانيا دولة مستقلة منذ 1991، ألا أن روسيا تعتبرها جزءا من مجال تأثيرها، روسيا تنتهج نسخة حديثة من سياسة بريجنيف، التي تنص على أن تكون لأوكرانيا “سيادة محدودة”، كما حصل مع وارسو عندما كانت ضمن مجال التأثير السوفيتي.
بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، حافظت الدولتان على علاقات وثيقة فيما بينهما، ولم يبدأ الصراع بينهما إلا حديثاً، وهناك العديد من النقاط الشائكة بين البلدين، وأهم هذه النقاط خلافاً هي الترسانة النووية لأوكرانيا، حيث إن أوكرانيا وافقت على التخلي عنها بعد التوقيع على مذكرة بودابست للضمانات الأمنية شرط أن تتعهد روسيا و(الموقعين الآخرين) بتجنب التهديد باللجوء إلى القوة أو استخدام القوة ضد سلامة ووحدة أراضي أوكرانيا وأن لا تهدد استقلالها وسيادتها، في 1999، روسيا كانت أحد الموقعين على معاهدة الأمن الأوربي في إسطنبول، حيث أكدت إن لكل دولة مشاركة في المعاهدة الحق في اختيار أو تغيير خططها الأمنية بما في ذلك معاهدات التحالف، ولكن في 2014 كلا الطرفين قام بخرق المعاهدة.
الغزو الروسي الثاني لأوكرانيا 2022
أواخر شهر مارس 2022، حشدت روسيا بوتن قواتها العسكرية على الحدود الأوكرانية، حيث بلغ مجموع قواتها ما بين 30 و40 ألف جندي، في شكل استعداد مرة أخرى لنشر قواتها في أوكرانيا بعد ضمها لشبه جزيرة القرم، وهو الحشد الذي سبقته مزاعم روسية أواخر شهر فبراير 2022، بأن قصفا أوكرانيا دمر منشأة حدودية تابعة لجهاز الأمن الفيدرالي على الحدود الروسية الأوكرانية، كما زعمت أنها قتلت 5 جنود أوكرانيين حاولوا العبور إلى الأراضي الروسية، وهو ما نفته أوكرانيا، تلاه اعتراف للحكومة الروسية رسميا بجمهورية دونيتسك الشعبية، وجمهورية لوغانسك الشعبية المعلنة ذاتيا كدولتين مستقلتين، وأمر بوتين القوات الروسية، بما في ذلك الدبابات، لدخول هذه المناطق.
وفي 24 فبراير 2022، أمر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بغزو أوكرانيا عسكريا، بحيث تبع الغزو غارات جوية استهدفت المباني العسكرية في البلاد، وكذلك دخول الدبابات عبر حدود بيلاروسيا، وبالمقابل أعلن الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي الأحكام العرفية في جميع أنحاء أوكرانيا، سمعت صفارات الإنذار من الغارات الجوية في جميع أنحاء أوكرانيا معظم اليوم، حيث سيطرت روسيا على العديد من المدن الأوكرانية، بما في ذلك محطة تشيرنوبيل النووية، علما أن القوات الروسية تواجه مقاومة أكبر مما توقعت.
دعم غربي عسكري وإنساني لكييف
مباشرة بعد الاجتياح الروسي لأوكرانيا توالت تصريحات الدول الأوروبية والولايات المتحدة الامريكية المنددة بالاجتياح، وسرعان ما صرحت حكومات غربية بالدعم المباشر لكييف مدنيا وعسكريا، حيث أهدت الولايات المتحدة أوكرانيا صواريخ “جافلن”، كما قامت العديد من دول حلف “الناتو” بإرسال مساعدات عسكرية وأسلحة حديثة لأوكرانيا، لمساعدتها في التصدي لغزو روسي، كما وعد الرئيس الأمريكي جو بايدن نظيره الأوكراني فلاديمير زيلينسكي بتقديم مساعدة عسكرية ضخمة جديدة بقيمة 800 مليون دولار، تشمل معدات ثقيلة كانت الولايات المتحدة حتى الآن مترددة في تسليمها إلى كييف خوفا من تفاقم التوتر مع موسكو واعتبارها طرفا في الحرب.
ومن جهتها، أرسلت هولندا قاذفات صواريخ للدفاع الجوي، بحسب تصريحات رسمية، فيما أرسلت إستونيا صواريخ مضادة للدبابات من طراز “جافلين”، وقدمت بولندا ولاتفيا صواريخ أرض جو من طراز ستينغرأ وأرسلت جمهوية التشيك رشاشات، وبنادق قنص، ومسدسات وذخائر.
وبحسب ما صرحت به قناة “الحرة” الأمريكية عن حلف الناتو فإن بلجيكا وكندا وجمهورية التشيك واستونيا وفرنسا وألمانيا واليونان ولاتفيا وليتوانيا وهولندا وبولندا والبرتغال ورومانيا وسلوفاكيا وسلوفينيا وبريطانيا والولايات المتحدة أرسلت بالفعل أو وافقت على تسليم معدات عسكرية كبيرة لأوكرانيا، بل وحتى البلدان المحايدة سابقا مثل السويد وفنلندا وألمانيا، أرسلت شحنات من صواريخ ستينغرز، وصواريخ أخرى تطلق من الكتف، وفي الوقت نفسه، ينقل حلف شمال الأطلسي معدات عسكرية وتسليح التمرد المستقبلي، في حال وصلت الحرب إلى الاحتلال لأوكرانيا وذلك بحسب ما نقلته صحيفة نيويورك تايمز، التي أكدت أن ما يصل إلى 22 ألف جندي إضافي وصل إلى الدول الأعضاء المتاخمة لروسيا وبيلاروسيا، لطمأنتهم وتعزيز الردع، كما نشرت الولايات المتحدة وحدها 15 ألف جندي إضافي في أوروبا، بينما التزمت بـ 12 ألف جندي آخر، إذا لزم الأمر، في قوة الرد التابعة لحلف شمال الأطلسي، كما نشرت واشنطن مزيدا من الطائرات المقاتلة والمروحيات الهجومية في رومانيا وبولندا ودول البلطيق، ومن جانبها، أرسلت فرنسا أول شريحة من قواتها لقيادة كتيبة جديدة للناتو في رومانيا ، كما قدمت طائرات مقاتلة من طراز رافال إلى بولندا، علما أن ألمانيا التي تقود بالفعل كتيبة تابعة للناتو فى ليتوانيا، أرسلت 350 جنديا ومدافع هاوتزر إلى هناك، وست طائرات مقاتلة إلى رومانيا، وبعض القوات إلى سلوفاكيا وسفينتين للقيام بدوريات بحرية للناتو، كما ذكرت برلين أنها سترسل بطارية صواريخ باتريوت و300 جندي لتشغيلها إلى الجناح الشرقي للناتو.
ومن جانب آخر، فقد أرسلت بريطانيا، 850 جنديا ومزيدا من دبابات تشالنجر الى أستونيا، بالإضافة إلى 350 جنديا إلى بولندا، ووضعت 1000 آخرين على أهبة الاستعداد، وأرسلت أربع طائرات مقاتلة أخرى إلى قبرص، بينما أرسلت سفينتين إلى شرق البحر الأبيض المتوسط، كما ارسلت كندا حوالي 1200 جندي، ومدفعية ووحدة حرب إلكترونية إلى لاتفيا وفرقاطة وطائرات استطلاع بينما وضعت 3400 جندي على أهبة الاستعداد لقوة الرد.
وأرسلت إيطاليا ثماني طائرات مقاتلة إلى رومانيا ووضعت 3400 جندي على أهبة الاستعداد بينما، أرسل الهولنديون 100 جندي إلى ليتوانيا و125 إلى رومانيا وكلفوا ثماني طائرات مقاتلة بمهام الناتو، وسترسل الدنمارك فرقاطة إلى بحر البلطيق وتنشر أربع طائرات مقاتلة في ليتوانيا وبعضها إلى بولندا لدعم مهمة الدفاع الجوي للناتو، بينما أرسلت إسبانيا اربع طائرات مقاتلة إلى بلغاريا وسفن للقيام بدوريات بحرية.
ومن جهتها، هددت موسكو بضرب مراكز قيادة في كييف متهمة أوكرانيا بشن هجمات على أراضيها، بالشكل الذي دفع موسكو لرفع حالة التأهب النووي لقواتها لتحذير أوروبا والولايات المتحدة من مخاطر التدخل، الذي تعتبره موسكو عدائيا، بالشكل الذي فتح احتمالات نشوب “حرب نووية” أو “تصعيد خطير”، وهو ما منع الناتو والولايات المتحدة من الاستجابة لطلبات الرئيس الأوكراني، فلاديمير زيلينيسكي المتكررة، بإقامة منطقة حظر طيران في المجال الجوي الأوكراني، الامر الذي جعل من غير الواضح مدى التقدم الروسي في الحرب، لكن كل المؤشرات التي يمكن ملاحظتها ترجح أن الروس يواجهون صعوبات كبيرة، ومقاومة هائلة أدت إلى مقتل 1500- 2000 من جنودهم بحسب تقديرات أميركية في بداية الحرب.
وبذلك، فإن 21 دولة من أصل 27 دولة في الاتحاد الأوروبي وهم أيضا أعضاء في حلف شمال الأطلسي، يقومون بنقل المعدات والأسلحة بسرعة إلى أوكرانيا من بولندا في اطار مبادرات منفردة ولا تدخل رسميا في اطار عمليات حلف شمال الأطلسي أو الاتحاد الأوروبي.
قصف أوكرانيا للبارجة الحربية الروسية هل هي بداية حرب شاملة؟
وبينما يستعد الجيش الروسي للسيطرة على مدينة ماريوبول الساحلية الاستراتيجية على بحر آزوف وتوسيع هجومه في جنوب أوكرانيا وشرقها، أصيب الطراد القاذف للصواريخ موسكفا “بأضرار جسيمة”، حسبما نقلت وكالتا الأنباء الروسيتان الرسميتان “ريا نوفوستي” و”تاس” عن وزارة الدفاع الروسية.
وكانت وزارة الدفاع الروسية قد صرحت أن سبب الحريق راجع لانفجار ذخائر على متن السفينة”، موضحة أن التحقيق جار لمعرفة أسبابه، في حين أكدت السلطات الأوكرانية أن السفينة الحربية “موسكفا” أصيبت بصواريخ، حيث صرح الحاكم الأوكراني لمنطقة أوديسا، ماكسيم مارتشينكو إن “صواريخ نبتون التي تحمي البحر الأسود سببت أضرارا جسيمة للسفينة الروسية”، وأضاف أن السفينة “تحترق بكثافة. وفي هذا البحر الهائج، من المستحيل معرفة متى سيتلقون المساعدة”، مؤكدا أن “أفراد الطاقم البالغ عددهم 510 أشخاص” موجودون على متنها.
معلوم أن السفينة الحربية “موسكفا” موضوعة في الخدمة منذ 1983 في عهد الاتحاد السوفياتي، حيث سبق لها وأن شاركت في التدخل الروسي في سوريا منذ 2015، وفي الأيام الأولى لغزو أوكرانيا، كما سبق لها وأن شاركت في هجوم على جزيرة الثعبان قرب الحدود الرومانية، حيث أسر 19 بحارا أوكرانيا آنذاك.
وبالمقابل، فقد صرح الناطق باسم وزارة الدفاع الروسية إيغور كوناشينكوف بحسب وكالة فرانس بريس الإخبارية ” AFP “، نشهد محاولات تخريب وضربات من قبل القوات الأوكرانية على أهداف في أراضي جمهورية روسيا الاتحادية”، وأضاف كوناشنيكوف محذرا “إذا استمرت هذه الأفعال، سيشن الجيش الروسي ضربات على مراكز صنع القرار، بما في ذلك في كييف وهذا ما امتنع الجيش الروسي عن القيام به حتى الآن”.
هذا، وقد سبق وأن اتهمت روسيا، أوكرانيا بتنفيذ هجوم بطائرتي هيلكوبتر على مستودع للنفط في مدينة بيلغورود، حيث صرح إيغور كوناشينكوف، المتحدث باسم وزارة الدفاع الروسية إنه حوالي الساعة الخامسة صباحا بتوقيت موسكو دخلت طائرتان هليكوبتر أوكرانيتان من طراز” Mi-24″ المجال الجوي الروسي وحلقتا على ارتفاع منخفض للغاية “وشنتا هجوما صاروخيا على منشأة تخزين نفط” في ضواحي مدينة بيلغورود، ما أسفر عن تدمير بعض خزانات النفط وأشعل حريقا داخل المنشأة، وأضاف: “منشأة تخزين النفط لا علاقة لها بالقوات المسلحة الروسية”.
من جهته، نفى مسؤول الأمن الأوكراني، أوليكسي دانيلوف، أن تكون أوكرانيا قد هاجمت مستودعا للنفط في روسيا، وألمح في حديث عبر التلفزيون الأوكراني، إلى أن الهجوم ربما يكون قد نفذه روس غير راضين عن الحرب.
خبراء غربيون يحللون تطورات الحرب الأوكرانية- الروسية
فقد أكد خبراء غربيون بحسب صحيفة “DW” الألمانية، أن روسيا تعتمد استراتيجية حرب واسعة النطاق، على اعتبار أن روسيا التي باتت قواتها على بعد أميال قليلة من كييف، تستعد لتنفيذ خطة واسعة النطاق تشمل كل أوكرانيا، وليس فقط وسط البلاد أو شرقها وأن العمليات لن تتوقف إلا بإعلان أوكرانيا الاستسلام الكامل للإرادة الروسية.
في هذا السياق، قال المحلل الأمريكي مارك إبيسكوبوس في تقرير نشرته مجلة “ناشونال انتريست” الأمريكية، إنه أعقب اجتماع وزيري الخارجية الروسي والأوكراني ما بدا أنه هجوم متجدد في أنحاء أوكرانيا شمل هجمات جوية على مجموعة من المدن غرب البلاد، وقصف مطار على بعد نحو 70 ميلا من الحدود البولندية، ومدرجاً جوياً في منطقة إيفانو- فرانكفيتش غربي البلاد. ويقول الخبراء العسكريون إن هذه الهجمات جزء من جهود روسية منسقة لعرقلة شحنات الأسلحة الغربية المستمرة إلى أوكرانيا، وأشار إبيسكوبوس إلى أنه يبدو أن القوات الروسية على مشارف كييف تعيد تنظيم صفوفها للقيام بهجوم واسع النطاق، حيث يقول المسؤولون الأمريكيون إن القوات الغازية أصبحت الآن على بعد تسعة أميال فقط من العاصمة.
واستهدفت القوات الروسية مدينة دنيبرو ذات الموقع الاستراتيجي بهجمات جوية كجزء فيما يبدو من خطة روسية أوسع نطاقا لقطع الطريق بين القوات الاوكرانية وبين الأراضي الواقعة شرق نهر الدانوب. ومع دخول الحرب أسبوعها الثالث، يبدو أن القوات الروسية تعيد تخندقها وتعديل تكتيكاتها قبل خوض حرب مطولة واسعة النطاق تشمل كل أوكرانيا، وليس فقط وسط البلاد والمناطق الشرقية، أما في كييف، فوحدها الطرقات المؤدية إلى الجنوب لا تزال مفتوحة. وباتت العاصمة بحسب مصادر أوكرانية محاصرة بشكل متزايد بالجنود الروس الذين دمروا مطار فاسيلكيف السبت.
وبقدر ما قللت القوات الروسية من تقييم قدرة أوكرانيا على المقاومة، فقد وجدت نفسها أمام حرب شرسة، إذ أعلن المتحدث العسكري الروسي عن مقتل 498 جندياً روسياً ومقتل 2870 جنديا أوكرانياً في الفترة نفسها، والأرجح أن تكون موسكو قد وقعت ضحية افتراض على أساس أيديولوجي بأن الحكومة في كييف التي تشلها عدم الشعبية وعدم الولاء بين صفوفها العسكرية، ستضطر للاستسلام في المراحل الأولى من الغزو، وأن القوات الروسية الغازية سوف تلقى ترحيباً كبيراً في المدن الكبرى بأوكرانيا باعتبارها قوات تحرير لها. وباختصار، ربما انخدعت موسكو بتأكيدها أن هذه ليست حرباً حقيقية ولكن مجرد “عملية عسكرية خاصة” للإطاحة بقيادة أوكرانيا وفرض تغيير في النظام، علما أن الكرملين أوضح أنه مصمم تماما على فرض حل عسكري في أوكرانيا، مهما كان العدد المتزايد للقتلى، والتكاليف الباهظة للاقتصاد الروسي، وإبادة المدنيين في أوكرانيا، بالشكل الذي يؤكد أن روسيا تعتبر أن تحقيق أهدافها الاستراتيجية من عملية أوكرانيا مسألة مصيرية.
فمحادثات انطاليا بين روسيا وأوكرانيا التي اعتبر خلالها لافروف ان الغزو الذي تصفه موسكو بأنه “عملية عسكرية خاصة” معركة حياة أو موت من أجل مكانة روسيا على الخريطة السياسية للعالم”، مؤكداً من جديد إشارات الكرملين السابقة بأن الرئيس فلاديمير بوتين لن يقبل ما هو أقل من استسلام أوكرانيا الكامل.
ويقول خبراء غربيون إن المجهود الحربي الروسي يواجه عرقلة من جانب مجموعة من النواقص التشغيلية، واللوجيستية، والمخابراتية، والقيادة والتحكم، ومع ذلك، يرى آخرون أنه من الممكن أن يكون الكرملين قد أعطى الأولوية لافتراضاته السياسية وليس للاستراتيجية العسكرية السليمة، فقد صور بوتين العملية على أنها تهدف لــ “تحرير” الشعب الأوكراني من “عصابة النازيين الجدد ومدمني المخدرات” الذين أخذوا الشعب رهينة، ويعتقد عدد من الخبراء الأميركيين إن روسيا لن تقوم باستخدام قوتها النووية في حال لم تتدخل الولايات المتحدة في الصراع، لكنهم لم يخفوا قلقهم من احتمال التصعيد.
ويقول المحلل وزميل معهد بروكنغز الأمريكي، مايكل أوماهان، لموقع “الحرة” إن روسيا لن تستخدم الأسلحة النووية ما لم نتدخل، وهو ما لن نفعله”، ويضيف “الوضع مختلف تماما عن ثلاثينيات القرن الماضي، بسبب وجود حلف شمال الأطلسي والقوات العسكرية الأميركية المنتشرة في أماكن متقدمة”، لكنه قال إنه “قلق قليلا فقط من زيادة الانتشار أو زيادة التصعيد”.
ونقلت الصحيفة عن مالكولم تشالمرز، نائب مدير المعهد الملكي للأبحاث الدفاعية قوله “كلما زاد الدعم تتساءل كيف سيرد بوتين”، مضيفا “ماذا يحدث إذا هاجم قوافل المساعدات على الجانب الآخر من الحدود”.