العلاقات المغربية – الأمريكية معاهدة السلام والصداقة المغربية- الأمريكية لسنة 1787 نموذج لأطول معاهدة في تاريخ الولايات المتحدة

ملف من انجاز/ دة. لطيفة نفيل // 

 

تعد العلاقات المغربية – الأمريكية علاقات استراتيجية بما تحمل الكلمة من معنى، فعمقها الاقتصادي والسياسي والاستراتيجي يمتد إلى ما هو أعمق من الناحية الجيو- استراتيجية. فالمغرب والولايات المتحدة الأمريكية دولتان يجمعهما المحيط الأطلسي بعمقه الكوني وتحدياته الجغرافية وعن تنوع العلاقة بين البلدين وبكل تجلياتها وحيثياتها التاريخية والراهنة يجيبنا الملف التالي:

 

كرونولوجيا العلاقات المغربية – الأمريكية

 

معلوم، أن العلاقات بين المغرب والولايات المتحدة الأمريكية تعد من أقدم العلاقات التاريخية التي تجمع بين بلدين قاريين، فهي علاقات تعود لتاريخ 20 دجنبر 1777، حيث اعترفت الإيالة الشريفة باستقلال الولايات المتحدة الأمريكية، بعد أن أقدم السلطان محمد الثالث على إصدار منشور من مدينة مكناس يتعلق بالسماح لعدة دول بممارسة نشاطاتها التجارية مع المغرب، وكانت من ضمنها الولايات المتحدة الأمريكية، حيث اعتـبـرت المبادرة المغربية اعترافا بسيادة أمريكا واستقلالها، أعقب ذلك تعيين السلطان المغربي لإتيان دو ديبير كاي بتولي مهمة قنصل أمريكا في المغرب، وتوطدت رسميا في 1787. عندما صادق الكونغرس الأمريكي على معاهدة السلام والصداقة بين البلدين، واعترف المغرب رسميا بالمستعمرات الأمريكية كدولة ذات سيادة موحدة، كما تمت إعادة التفاوض حول المعاهدة في عام 1836، وهي لا تزال سارية المفعول إلى يومنا هذا، مشكلة بذلك أطول معاهدة في تاريخ الولايات المتحدة دون انقطاع، كما احتضنت طنجة أقدم مقر دبلوماسي أمريكي في العالم، الذي تحول اليوم إلى متحف، وهي المعلمة التاريخية الأمريكية الوحيدة التي تقع خارج أرض الولايات المتحدة، الصفحة الأخيرة من معاهدة الصداقة الموقعة سنة 1786، والمختومة من قبل السلطان محمد الثالث، وتوماس جيفرسون وجون آدامز.

وبسبب مخاوف أمريكا من سياسة الانغلاق أو الاحتراز التي اعتمدها المولى سليمان، حيث قطع جميع الصلات التي كانت بين المغرب وأوروبا، وقلل من المعاهدات التي أبرمها والده، وأغلق المراسي ومنع العلاقات التجارية الدبلوماسية، استطاعت واشنطن أن تنتزع اعتراف المولى سليمان بالاتفاقية التجارية، حيث راسل السلطان الجديد الرئيس الأمريكي، وجاء في خطابه: “نحن على السلم والمهادنة معكم على نحو ما كان بينكم وبين والدنا المقدس، وقد رحب أعضاء الكونغرس بالرسالة، وتم إثر ذلك تعيين قنصل جديد لأمريكا في المغرب، وهو جيمس سيمسون، الذي التحق بطنجة، حيث توجد البعثات الدبلوماسية، بعد ذلك قام فرانكلين روزفلت منذ سنة 1943 بتقديم دعمه للسلطان محمد الخامس بن يوسف في كفاحه من أجل استقلال المملكة، بالشكل الذي أنشأ  العديد من الصداقات الشخصية، كتلك التي نشأت خلال نفس السنة بين ولي العهد آنذاك، مولاي الحسن، والشخص الذي سيصبح فيما بعد نائبا لمدير وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، فيرنون وولترز، وخلال الحرب الباردة كان المغرب بخلاف مع معظم دول المنطقة وأقرب للجانب الأمريكي، نظرا لاعتماد المغرب على نظام السوق الحر والتعددية السياسية وليس النظام الاشتراكي.

وخلال الخطاب الشهير لباراك أوباما بالقاهرة سنة 2009، الذي أكد فيه “أعلم كذلك أن الإسلام كان دائما جزءا لا يتجزأ من قصة أمريكا، حيث كان المغرب هو أول بلد اعترف بالولايات المتحدة الأمريكية”.


مسار العلاقات المغربية – الأمريكية في ظل التوافقات الراهنة

إن مسار العلاقات الدبلوماسية والسياسية المغربية – الأمريكية مطبوع بالتعاون والتوافق وتوحيد الرؤى الاستراتيجية، وقد أكدت ذلك الزيارة الملكية التي قام بها جلالة الملك محمد السادس لأمريكا سنة 2000، والتي كان جلالته خلالها مرفوقا بالأميرة للا مريم، وهي الزيارة التي جاءت عقب دعوة من الرئيس الأمريكي بيل كلينتون، وقد تميزت الزيارة الملكية بالمحادثات التي أجراها جلالة الملك مع الرئيس الأمريكي وبالحفل الذي أقيم بمناسبة منحه الدكتوراه الفخرية من طرف جامعة جورج واشنطن.

أعقبتها زيارة عمل ثانية لجلالة الملك محمد السادس للولايات المتحدة الأمريكية خلال شهر ماي 2002، تميزت بالمباحثات التي أجراها بالبيت الأبيض بواشنطن، مع الرئيس الأمريكي، جورج وولكر بوش، والتي تمحورت حول التعاون الثنائي والوضع في منطقة المغرب العربي ومكافحة الإرهاب والنزاع في الشرق الأوسط، كما جاءت الزيارة الملكية الثالثة لجلالة الملك محمد السادس لنيويورك شهر شتنبر 2003، حيث شارك جلالته من خلالها في المناقشات العامة للدورة الـ58 للجمعية العامة للأمم المتحدة، أعقبتها مباشرة في العام الموالي أي يوليوز 2004 زيارة عمل لجلالة الملك محمد السادس للولايات المتحدة الأمريكية، للمشاركة في الدورة الـ59 للجمعية العامة لمنظمة الأمم المتحدة.

وفي شهر شتنبر 2010، قام جلالة الملك محمد السادس بالمشاركة بنيويورك في قمة أهداف الألفية للتنمية، أعقبتها في نونبر 2013 زيارة عمل قام بها جلالته للولايات المتحدة، وفي شهر دجنبر 2019 حل وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، بالمغرب في إطار زيارة لتعزيز الشراكة الاقتصادية والأمنية.

وفي 6 نونبر 2019، قامت إيفانكا ترامب بزيارة للمغرب لعقد سلسلة من الاجتماعات مع مسؤولين مغاربة في الرباط والدار البيضاء، جاءت الزيارة في إطار إلى التعريف بمبادرة التنمية والازدهار العالمي للمرأة، التي ترعاها إيفانكا ترامب، والتي تسعى إلى تحقيق التمكين الاقتصادي لنحو 50 مليون امرأة بحلول سنة 2025، وهي المبادرة التي توجت باستضافة إيفانكا ترامب من طرف الأميرة للامريم لحضور مأدبة عشاء أقامها لاستقبالها جلالة الملك محمد السادس، أثناء زيارتها للمغرب، علما أنه سبق لمسؤولين أمريكيين أن دعموا الحل المغربي الرامي لفض النزاع المفتعل حول مغربية الصحراء، ومن جملتهم مساعد وزير الخارجية السابق ديڤد ولتش، الذي أعلن سنة 2007 عن دعمه القوي للمملكة المغربية ولخطتها فيما يخص النزاع حول منطقة الصحراء المغربية، واصفا الخطة بأنها تشكل حلا “جادا وذا مصداقية”.

 

اعتراف أمريكا بمغربية الصحراء طفرة نوعية في العلاقات السياسية

 

يشكل تاريخ 10 دجنبر 2020، طفرة نوعية في تاريخ العلاقات السياسية بين المغرب والولايات المتحدة الأمريكية، وهو اليوم الذي اعترفت فيه الولايات المتحدة بالسيادة المغربية على كامل الصحراء المغربية، وجددت دعمها لمقترح الحكم الذاتي المغربي الجاد والواقعي وذي المصداقية، باعتباره الأساس الوحيد لحل عادل ودائم للنزاع حول الصحراء المغربية، كما أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية عن فتح قنصلية لها بمدينة الداخلة، وهو الاعتراف الذي أسال الكثير من المداد على مستوى الإعلامي العالمي، كما أثار جملة من ردود الأفعال السياسية الدولية، وهو الاعتراف الذي ولد نوعا خاصا من تعزيز العلاقات السياسية والاستراتيجية ليقفز بها نحو بعد آخر أكثر تعاونا وديناميكية، وبذلك فقد تولد عن هذا التوافق تعزيز استراتيجي على مستوى التعاون العسكري واللوجستي، بحيث تعززت العمليات الجيو- استراتيجية الميدانية بالمغرب، وتعود حيثيات الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء عقب إعلان الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته دونالد ترامب عن توقيع مرسوم للاعتراف بسيادة المملكة المغربية على الصحراء المغربية، تلاها إعلان الولايات المتحدة عن خريطة المغرب التي تضم الصحراء المغربية، وهي الخريطة التي اعتمدتها الولايات المتحدة للمغرب في 13 دجنبر 2020، وذلك خلال حفل نظم في السفارة الأمريكية في الرباط، وقال السفير الأمريكي في الرباط ديفد فيشر: “هذه الخريطة هي التجسيد المادي لإعلان الرئيس دونالد ترمب الجريء قبل يومين، والذي اعترف فيه بسيادة المغرب على الصحراء، وذلك قبل أن يوقع الخريطة الرسمية الجديدة لدى الحكومة الأمريكية للمملكة المغربية”، مضيفا أن القرار الجديد بخصوص الخريطة المغربية هو واحد من بين حزمة من القرارات سيجري الإعلان عنها الأسبوع المقبل في إطار تعزيز الشراكة الاستراتيجية القائمة بين الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المغربية.

وهو ما أيدته الأوساط السياسية الأمريكية، حيث أكد خبراء أمريكيون في القانون والعلاقات الدولية، وجاهة الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء، مبرزين أن دعم مبادرة الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية كان دائما السياسة المتبعة من لدن الولايات المتحدة ولفترة طويلة.

وقال إليوت أبرامز، دبلوماسي أمريكي سابق ومساعد مستشار الأمن القومي للبيت الأبيض 2005- 2009، في مداخلة في ندوة افتراضية نظمتها نقابة المحامين بمدينة نيويورك حول هذا الموضوع، إنه يتعين على الإدارة الأمريكية الحالية أن تحافظ وتصادق على الإعلان الذي تبنته الإدارة السابقة للولايات المتحدة الأمريكية باعتبار أن المملكة المغربية تشكل “حليفا استراتيجيا قويا منذ أمد بعيد”.

وتحدث أبرامز، وهو أيضا متخصص في شؤون الشرق الأوسط في مركز الفكر الأمريكي المرموق “مجلس العلاقات الخارجية”، عن دور الجزائر في إدامة النزاع الإقليمي حول الصحراء المغربية، مشيرا إلى أنه لو لم يكن الدعم الجزائري السافر للبوليساريو، فإن هذا الصراع كان سينتهي منذ فترة طويلة في إطار مخطط الحكم الذاتي المغربي، كما أشار إلى أن قضية الصحراء بالنسبة للجزائر ليست أكثر ولا أقل من أداة للإضرار بالمغرب، وأن دعمها لانفصاليي البوليساريو يندرج في هذا السيناريو.

وذكر إليوت أبرامز بأن منطقة الصحراء لم تكن يوما وعلى مر التاريخ دولة مستقلة، وأن حقيقة الرغبة في عزلها عن المملكة المغربية، كما يدافع البعض عن ذلك، لن تؤدي إلا إلى زعزعة استقرار حليف تاريخي للولايات المتحدة، كما سيساهم ذلك في التأثير على استقرار منطقة تعاني بالفعل من انعدام الأمن، وأضاف، في هذا الصدد، أنه من الصعب للغاية تصور أن حركة انفصالية استبدادية مثل البوليساريو يمكن أن تؤدي إلى بروز دولة ديمقراطية، كما يجادل البعض. وأكد أنه من مصلحة الولايات المتحدة معارضة أي مس بالوحدة الترابية للمملكة المغربية.

من جانبه، أشار يوجين كونتوروفيش، بروفيسور ومدير مركز الشرق الأوسط والقانون الدولي بجامعة جورج ميسون، إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية تواصل الاعتراف في هذه اللحظة بالذات بسيادة المغرب على الصحراء، وهي سياسة الولايات المتحدة الحالية بشأن هذا الملف.

وأضاف أن الرئيس جو بايدن “لا يحتاج إلى تأييد” الإعلان الذي اعتمده سلفه، بمعنى أنه “هو نفسه الرئيس الحالي لدولة تعترف بالفعل بهذه السيادة”، كما أكد البروفيسور كونتوروفيش، على أن السياسة الأمريكية بشأن الصحراء المغربية “تظل متوافقة مع القانون الدولي”، مذكرا بأن عددا كبيرا ومتزايدا من الدول العربية والإفريقية افتتحت مؤخرا قنصليات لها في الصحراء المغربية كدليل على الاعتراف التام بسيادة المملكة المغربية الكاملة على هذه المنطقة.

المغرب حليف استراتيجي لأمريكا في الحرب ضد الإرهاب

 

يعد المغرب شريكا للولايات المتحدة في الحرب على الإرهاب، التي تم إعلانها عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، حيث أبدت المملكة تعاونا كبيرا مع واشنطن على عدة مستويات، ومع ظهور تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، تعززت مكانة المغرب في إطار المبادرة الأمريكية لمنطقة الساحل، الرامية لتأمين الامتدادات الصحراوية الشاسعة من موريتانيا إلى تشاد، وعلى اعتبار عراقة التعاون الاستخباراتي بين البلدين، فإن التعاون بين الطرفين ظل دوما متسما بسلاسة كبيرة.

في 12 دجنبر 2020، أفادت وكالة “رويترز” بأن إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تمضي قدما في تطبيق خطته لتصدير أسلحة بقيمة مليار دولار إلى المغرب، كما نقلت الوكالة عن مصادر مطلعة تأكيدها أن إدارة الرئيس دونالد ترامب أبلغت الكونغرس الأمريكي بصفقات محتملة مع المغرب تشمل طائرات مسيرة وأسلحة موجهة عالية الدقة.

ومعلوم أن جزءا من مناورات “الأسد الأفريقي 2021″، المشتركة التي تشرف عليها الولايات المتحدة وتنظمها بمشاركة المغرب، يجري جزء منها في الصحراء المغربية،حيث يقام أكبر تدريب سنوي للقيادة العسكرية الأمريكية في إفريقيا “أفريكوم” والذي يعد “تتويجا للاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء، علما أن نسخة 2021 من مناورات “أفريكوم” المشتركة جمعت أزيد من7 آلاف جندي من 9 دول في الفترة ما بين 7 و18 يونيو، وفق ما ذكر الموقع الإلكتروني للقيادة الأمريكية، بدون الكشف عن مكان التدريبات، وتشمل الأماكن المختارة منطقة  المحبس، شرقا، والداخلة، جنوبا.

اتفاقية التجارة الحرة المغربية – الأمريكية

 

تعد اتفاقية التجارة الحرة المغربية الأمريكية إلى تم التوقيع عليها في 15 يونيو 2004، وتم التصديق عليها بأغلبية أعضاء مجلس النواب، وإجماع أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي في شهر يوليو من نفس العام، إحدى أهم الاتفاقيات التجارية التي عرفها المغرب والتي وافق البرلمان المغربي عليها في يناير 2005، وبدأ العمل بها في الأول من يناير 2006، وهي الاتفاقية التي توفر للولايات المتحدة أكبر قدرة على الدخول إلى الأسواق عن أي اتفاقية تجارة حرة عقدتها مع دولة أفريقية، بحيث أصبحت 95 بالمائة من البضائع معفاة من الضرائب، ومن مخطط إزالة جميع التعريفات الضريبية المفروضة على باقي البضائع خلال 15 عاما، ومعظمها خلال 9 سنوات فقط، ووثقت هذه الاتفاقية أنواع أخرى من مظاهر التنمية العامة، كالشفافية، وحقوق الملكية الفكرية، من أجل إزالة المزيد من العوائق التجارية التي تتعرض لها الشركات الأمريكية الراغبة في العمل بالمغرب، ففي العام الأول من بدء العمل بالاتفاقية زادت صادرات الولايات المتحدة للمغرب بنسبة 65 بالمائة، كما ارتفعت الصادرات المغربية لأمريكا بنسبة 20 بالمائة عن العام السابق.

 

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

error: محتوى خاص