قضية الصحراء المغربية من الاعترافات الدولية بفتح سفارات أجنبية بالأقاليم الجنوبية للمملكة نحو التحرك لطرد البوليساريو من الاتحاد الإفريقي

//ملف من إنجاز الدكتورة لطيفة نفيل

يرتكز ملف هذا الأسبوع على تحليل تطورات الصراع المفتعل حول منطقة الصحراء المغربية، وما يترتب عنه من تحركات على مستوى الدول الإفريقية داخل الاتحاد الإفريقي من التي تطالب اليوم بطرد البوليساريو من هذه المنظمة العتيدة، فقد تطور الوعي الدولي مع توالي الأحداث والمستجدات إلى فضح زيف أطروحة البوليساريو وما تحاول أن تصبغه على نفسها من صفة جمهورية صحراوية وهمية لا وجود لها إلا في مخيلة جنرالات الجزائر وفي مخيلة مأجوري الحروب والقلاقل الحدودية.

فالاتحاد الإفريقي اليوم مطالب أكثر من أي وقت مضى بطرد البوليساريو من حظيرته، فهو لم يكن يوما دولة كاملة السيادة ليكون له كرسي يمثله بالاتحاد الإفريقي، كما أن قضيته معروضة وبشكل حصري وقطعي على أنظار هيئة الأمم المتحدة فقط ولا حق لأي منظمة في العالم أن تناقش ملفه لا من قريب ولا من بعيد بالشكل الذي دفع العديد من الدول الأفريقية اليوم نحو البحث في شرعية تمثيلية البوليساريو لنفسها داخل الاتحاد الإفريقي، وعن حيثيات الملف وكل الحجج المفندة لأطروحة جمهورية الوهم من وجهة نظر القانون الدولي يجيبنا الملف التالي:

 

تعيش قضية الوحدة الترابية للمملكة منعطفا جديدا وفريدا، وهو منعطف سيدفع بالقضية لا محالة إلى الحل النهائي بطرد البوليساريو من الاتحاد الإفريقي، وذلك في خطوة هامة تأتي على ضوء المستجدات الأخيرة التي تشهدها قضية الوحدة الترابية للمملكة المغربية، من خلال الاعتراف الأمريكي الأخير بمغربية الصحراء، وفتح الولايات المتحدة الأمريكي لسفارتها بمدينة الداخلة إلى جانب سفارات عدد من الدول العربية والإفريقية، وعلى رأسها سفارة دولة الإمارات العربية المتحدة، بما مجموعه 17 قنصلية دولية موجودة في الأقاليم الجنوبية منها 9 بمدينة العيون تعود إلى مملكة إسواتيني وزامبيا، وبوروندي، وكوت ديفوار، وإفريقيا الوسطى، والجمهورية الديمقراطية لساوتومي، والغابون، وجمهورية القمر المتحدة، وبمدينة الداخلة افتتحت 7 قنصليات لكل من غينيا بيساو، وغينيا الاستوائية، وبوركينا فاسو، وليبيريا، وجيبوتي، وغينيا، وغامبيا.

افتتاح القنصليات الدولية بجنوب المملكة سبقه بالأساس جملة من الخطوات الدبلوماسية المغربية، وعلى رأسها عودة المغرب رسميا إلى حظيرة الاتحاد الإفريقي بعد طول غياب، وكذا الزيارات الفعالة لجلالة الملك محمد السادس لعدد من دول إفريقيا، ومن بينها كبريات معاقل الحكومات المؤيدة للأطروحة الجزائرية المعادية للوحدة الترابية للمملكة سابقا، حيث يسجل نجاح الدبلوماسية الملكية في استقطاب الرأي العام الإفريقي والدولي على حد سواء، والعودة لحظيرة الاتحاد الإفريقي بالأغلبية الساحقة لأصوات الدول الداعمة للطرح المغربي، على حساب أقلية قليلة مدعمة لأطروحة الجزائر.

 

المغرب أحد أبرز الدول المساهمة في تأسيس الاتحاد الإفريقي

معلوم أن المغرب هو بلد إفريقي بالأساس كما أنه أحد أبرز الدول المساهمة في تأسيس الاتحاد، وذلك حينما كان يطلق عليها آنذاك بـ “منظمة الوحدة الإفريقية”، وهي المنظمة التي غادرها المغرب في شخص المغفور له جلالة الملك الحسن الثاني، أمام انزلا قات قانونية خطيرة لبعض أعضاء المنظمة آنذاك من الذين أقحموا كيانا وهميا تحت اسم “الجمهورية الصحراوية” بين دول القارة، وهو الخطأ التاريخي الذي وقعت فيه المنظمة حينها، بالشكل الذي دفع بالمغرب للانسحاب منها تاركا الوقت الكافي للتاريخ كي يصلح ما أفسدته راهنية المرحلة آنذاك، وبالفعل نجح المغرب في شخص جلالة الملك محمد السادس في العودة للمنظمة التي يبدو أنها لم تغير فقط من اسمها من “منظمة الوحدة الإفريقية” إلى “الاتحاد الإفريقي” لكنها غيرت أيضا من وجهة نظرها، حيث أعاد أغلب رؤساؤها الحاليون النظر في الوضع الاعتباري للجمهورية الوهم التي ليس لها مكان على أرض الواقع سوى في مخيلة صانعيها، وعلى رأسهم الجزائر التي لا يتوانى جنرالاتها عن الدفع بها نحو المجهول بالنظر لانكشاف اللعبة بعد أن فضح مسار التاريخ خباياها.

ونقدم من خلال هذا الملف تحديدا المعطيات التي تفند ادعاءات وجود شيء على أرض الواقع تحت مسمى “الجمهورية العربية الديمقراطية الصحراوية” على اعتبار أن الأمر يتعلق بعملية نصب كبيرة على المنتظم الدولي تهدف إلى ابتزاز المنظمات الدولية، وكذا المغرب وتهديده بالتقسيم الجغرافي على حساب نيل امتيازات معينة مضمونها الكامل يلخص في وجود مجموعة مسلحة انضم إليها كل الخارجين عن القانون بالمناطق الحدودية لدول الساحل والصحراء واختاروا لأنفسهم اسما من الأسماء واستغلوا به في فترة من فترات التاريخ حاجة الكثيرين إلى أموال البيترو دولار ليحولوا كيانا وهميا إلى جمهورية على ورق.  وسنسرد بالتفصيل منطق هذه الدراسة على اعتباره كيانا وهميا ليس إلا .

ما نلحظه اليوم بحدة يطفو على سطح الأحداث من تحرشات ليست في الحقيقة سوى هروب إلى الأمام من لدن جبهة الوهم التي تحاول استباق الوقت كي لا يصل موعد الدورة المقبلة من دورات مجلس الاتحاد الإفريقي، حيث من المفروض أن يتقدم المغرب إلى جانب أكبر عدد من الدول الإفريقية بملتمس تجميد عضوية الجمهورية الوهم، على اعتبار عدم وجود الشروط القانونية التي تمكنها من حمل لقب جمهورية أو دولة قائمة بذاتها ضمن دول الاتحاد، وهو اللبس القانوني الذي يخلقه كيان تم دمجه بالخطأ، وبفعل سياسة معينة انتهجت في فترة زمنية معينة من تاريخ إفريقيا الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي، حيث كانت الجزائر تساوم بالبوليساريو على تحجيم دور المغرب في المنطقة إقليميا ودوليا، وهو ما حاربته سياسة المغرب برزانة وثبات برزت اليوم على شكل نتائج قوية بدأت المملكة المغربية في شخص جلالة الملك محمد السادس بقطف ثمارها بفخر وسط عالم تشتد فيه حدة الصراعات والتطاحنات والحروب.

أبجديات القانون الدولي وبنوده الخاصة بمقومات صفة الدولة القانونية

إن أبجديات القانون الدولي وبنوده الخاصة بمقومات الدولة المادية والموضوعية، وبوضع جملة من الإسقاطات على البوليساريو، وكذا الشروط القانونية التي تطرح أمام الاتحاد الإفريقي كمؤسسة مبنية على أسس قانونية معترف بها دوليا، ومنسجمة في ذات الآن مع روح القانون الدولي العام، وتحديدا في شق مفهوم الدولة أو الدول الأعضاء في الاتحاد، وكذا مسألة ترسيم الحدود الدولية بين بلدان القارة، بالشكل الذي سيجعل الاتحاد أمام خيار أوحد ووحيد يتمثل في إعادة النظر في إدراج اسم البوليساريو ضمن تشكيلة أعضائه، وبالنهاية الاستجابة للمقاييس القانونية في ترسيم الدول وحدودها على خارطة القارة، وفق الحدود الدولية المتعارف عليها بالشكل الذي سيدفع بالاتحاد في أخف الأحوال إلى تجميد عضوية البوليساريو أو طرده في أقصى حالات استجابة للقوانين الدولية المعمول بها والمتعارف عليها، على اعتبار أن كل المعطيات الذاتية، والموضوعية لحمل اسم دولة أو جمهورية لا تتأتى للبوليساريو، وذلك ببساطة لأن مقومات وشروط النهوض بدولة قائمة بذاتها لم ولن تتوفر لمن لا يعدو أن يكون بحسب التصنيف الذي يسنه القانون الدولي لمثل هذه الحالات سوى بالجماعات المسلحة الخالقة لبؤر التوتر على الحدود الإقليمية والدولية عادة، وهي ظاهرة دولية معروفة وتكرر نفسها في كل نقطة من نقط العالم.

لذلك، فمقومات دولة أو جمهورية غير متوفرة في عنصر البوليساريو حتى يكون عضوا في منظمة الاتحاد الإفريقي وذلك لأسباب قانونية دولية وذات شرعية لا محيد عنها وأولها أن البوليساريو لا يحتكم على تعريف خاص للدولة حسب ما يرد في القواميس السياسية، فالبوليساريو كتنظيم عسكري لم ولن يرقى أبدا ومهما طال أمد الصراع في المنطقة إلى أن يكون بمثابة نظام اجتماعي ذي استقرار وموارد وقدرات، تمكنه من ممارسة سلطة سيادية على السكان القاطنين بصورة دائمة وثابتة في أراض ذات مساحة محددة، وهنا يمكن القول إن حالة البوليساريو تنتفي معها إمكانية السيادة والأرض الثابتة والسكان القاطنين بالنظر لوضعيتها لما يناهز نصف قرن أو أكثر على شكل مخيم للاجئين. وبذلك فإذا كان مصطلح الدولة في القانون الدولي ينطوي بالضرورة على أربعة مقومات رئيسية هي : السكان، والأرض، والحكم، والسيادة، وعلى اعتبار أن افتقار كيان معين إلى أحد هذه المقومات يحرمه من الحق في أن يصبح دولة قائمة بذاتها، وهو بالضبط أهم أسباب تسمية البوليساريو بالكيان الوهمي، لأن القانون الدولي ينفي عن أي “كيان” كيفما كان “صفة الدولة” لعدم استجابته للشروط القانونية لإقامتها، وهنا يمكن القول إن كيان البوليساريو يحاول ابتزاز المنتظم الدولي للضغط على المغرب بقصد تمكينه على طبق من ذهب من كافة مكونات وشروط القيام بدولة، وهذا بدوره ضرب من الخيال والوهم الذي أسقطت فيه الجزائر مكونها المسلح “البوليساريو”.

معتقلو المخيمات لم يصنفهم أي تصنيف دولي بمصطلح “السكان” ولا يحتكمون حتى على بطاقة لاجئ

وفيما يخص أول مقومات “الدولة” أي “السكان”، فالمقصود بذلك هم السكان الذين يقطنون في مساحة محددة من الأرض بصورة ثابتة، وليس بصورة مرحلية كما هو الشأن بالنسبة للمحتجزين الصحراويين بمخيمات أرض تيندوف الجزائر، كما يشترط في مقوم “السكان” أن يكونوا قد بلغوا مستوى من التماسك الاجتماعي، وهو ما لا يمكن وصف لاجئي تيندوف به، على اعتبار هروب أفواج منهم إلى الوطن الأم كلما سنحت لهم فرصة بفعل ذلك، وعلى مدى 46 سنة من مدة الصراع إلى اليوم، حيث سجل وفود الآلاف من المحتجزين هروبا من جحيم تيندوف، ومنهم قيادات سابقة في البوليساريو أعلنت تخليها عن فكرة المساهمة في إنشاء كيان مسلح بالمنطقة .

كما يشترط في تسمية “السكان” أيضا وبحسب القانون الدولي بأن تكون لهم أهداف سياسية مشتركة تمكنهم من الالتفاف حولها، وهذا بدوره شرط إضافي غير متوفر في البوليساريو على اعتبار أن محتجزي تيندوف مسلوبي الإرادة مقابل التحدث على لسانهم من طرف مجموعة من المسلحين الذين يرهبونهم بالسجن في حال التعبير عن رأيهم صراحة أو احتجاجهم على سرقة الإمدادات، والمساعدات الإنسانية التي تصلهم من المنتظم الدولي كما يتم استعبادهم وبيع أبنائهم في أسواق النخاسة وترحيل جزء من أبنائهم الذكور إلى كوبا بدعوى تلقي التعليم مقابل التخلي عن جزء آخر من أبنائهم الإناث لصالح عائلات إسبانية قصد التبني، أو حتى احتجازهم لعدد من فتيات المخيم بعد عودتهن من إسبانيا لقضاء عطلة خاصة مع الآباء البيولوجيين في تيندوف، وفي ذلك تتحدث جملة من التقارير الدولية وبالتفصيل، بالشكل الذي يقدم للمنتظم الدولي حالة شاذة لمخيم متفكك اجتماعيا ولا يرقى لتسمية مجتمع أو تجمع سكاني حتى.

لذا لا يمكن مطلقا وبحسب القانون الدولي اعتبار أن محتجزي تيندوف يشكلون بحق المعنى الحقيقي لمصطلح “السكان” ويخضعون لسيادة الدولة، كما لا يمكن أن تطبق عليهم قوانينها وقضاؤها، وهي المقومات غير الموجودة أصلا ولا مكان لها إلا في سيناريو المسرحية التي كتب فصولها جنرالات الجزائر، على اعتبار أن محتجزي تيندوف هم في الأصل نازحين تم احتجازهم قصرا لأزيد من 46 سنة، كما أن الدولة المضيفة أو الحاضنة أو المحتجزة لم تأخذ على عاتقها واجب إحصائهم، أو تمكينهم من بطاقات اللاجئين قصد إدماجهم في المجتمع الذي يفترض أنهم يعيشون فيه، بالشكل الذي ضيع حق هذه الجماعة من حقوق اللاجئ كما سطرتها المواثيق الدولية، لضمان إمكانية الانخراط في المجتمع الجزائري والتمتع بالحقوق الاجتماعية والاقتصادية والقانونية للاجئين بداية من الحق في السكن والتعليم والصحة والشغل وغيرها من الحقوق المعدومة في حالتهم، وهو أمر آخر ينبغي أن يضع الجزائر قيد المساءلة القانونية من طرف القانون والمنتظم الدولي.

مجموعات مسلحة حدودية تبحث عن صفة قانونية

أما ثاني المقومات لقيام الدولة فهو مقوم “الأرض”، الذي يقصد به ذاك المجال الجغرافي المحدد والمرسم بحدود برية ترابية وبحرية وجوية تفصل بين الدولة وبين دول أخرى مجاورة لها، أو بينها وبين مساحات عامة، مثل البحر بحيث تسري عليها قوانين دولية عامة، لذا فالمجال الذي يعيش فيه السكان هو بدوره مقوم لا ينطبق إطلاقا على الجمهورية الوهمية بحكم كونها تعد بمثابة جماعة مسلحة تسيطر على مجموعة من العائلات النازحة وتتمركز فوق تراب دولة قائمة بذاتها وهي دولة الجزائر .

فالأرض التي يجد البوليساريو عليها موطئ القدم حاليا ومنذ ما يناهز 46 سنة من عمر الصراع في المنطقة، هي أرض تيندوف الجزائرية، وهي نفس الأرض التي رسمت عليها خارطة الاتحاد الإفريقي موقع البوليساريو من خريطة القارة،  بالشكل الذي يؤكد أن البوليساريو موطنها الأصلي هو تيندوف الجزائر، وليس أي مكان آخر، كما أن المنطقة العازلة التي كانت البوليساريو تتجرأ عليها في السنوات الأخيرة، قبل إعادة فتح معبر الكركرات، وتأمينه بالنسبة للعبور القاري كنقطة مغربية حدودية للعبور نحو العمق الإفريقي، هي كلها أراضٍ تابعة لسيادة المملكة المغربية إلى جانب مناطق أخرى على طول الشريط العازل الذي اختار المغرب بتوافق مع هيئة الأمم المتحدة جعلها منطقة عازلة، في إطار تنفيذ مخطط وقف إطلاق النار، في حين أن البوليساريو سار يروج لها بكونها مناطق محررة، مستغلا المنطقة العازلة للقيام باستعراضات وعمليات عسكرية لإيهام الرأي العام الدولي بكونها أراضٍ محررة أو مسترجعة، في خرق سافر لاتفاق وقف إطلاق النار أمام أعين قوات المينورسو التي جاء تواجدها بالمنطقة بهدف مراقبة الوضع وتقديم تقارير مفصلة لمجلس الأمن ليتخذ التدابير الملائمة لوقف خروقات استغلال البوليساريو لمساحات المنطقة العازلة وعرقلة مرور العابرين من نقطها الحدودية كما وقع بالفعل في منطقة الكركرات، الأمر الذي فرض تدخلا مغربيا حاسما لوقف تجاوزات البوليساريو وطردهم للعودة إلى تيندوف معقلهم الأصلي الذي تمت صناعتهم بمختبراته على يد حكام الجزائر التقليديين.

ساكنة الأقاليم الجنوبية أكبر كتلة انتخابية في الاستحقاقات الأخيرة بالمملكة

إن فرضية السطو على الأراضي المغربية بدعوى أن قادة جمهورية الوهم هم مغاربة يطالبون بمبدأ تقرير المصير تستدعي الوقوف على أحد أبواب القانون الدولي، من التي لا علاقة لها حتى بمشكل تقرير المصير بالمناطق الجنوبية للمملكة المغربية، على اعتبار أن ساكنة جنوب المغرب منخرطة بشكل تام ورسمي وعلني، وفي ظل أجواء حقوقية تطبعها حرية الرأي والتعبير في ممارسة حياتهم الاجتماعية والاقتصادية، وحتى السياسية تحت ظل السيادة المغربية، وتحت ظل الراية المغربية، وكما كل المجتمعات في جميع الدول الديمقراطية فجلهم منخرط في الأحزاب الوطنية المغربية، وفي الحياة السياسية المغربية عموما، بدءا من المشاركة في الانتخابات الجماعية والجهوية ثم البرلمانية وصولا إلى نيل مناصب القرار والمسؤولية على المستويين المحلي والجهوي ثم الوطني، ومنهم من وصل إلى التمثيلية البرلمانية وحمل حقائب وزارية هامة أو حتى بلوغ رئاسة مؤسسات وطنية كبرى كرئاسة مجلس المستشارين أو ترؤس أحزاب كبرى بعينها.

وبالمقابل، تنتفي مجمل هذه الشروط والعناصر في كيان البوليساريو فلا انتخابات رئاسية ولا تمثيلية برلمانية ولا جهوية ولا جماعية لديه ولا هياكل ولا مؤسسات تشريعية قائمة بذاتها، فكل ما يزعمونه هو مؤتمر عام  يستدعى إليه الأقربون على حساب مجموع اللاجئين، حيث يتلاعب بمصير النازحين واللاجئين وفي غيبتهم بحسب مجمل التقارير الواردة من تيندوف.

ومن جهة أخرى، فإن قيام الدولة يشترط بالضرورة الإلزامية وجود نظام حكم رسمي يضم جميع الهيئات اللازمة لإدارة شؤون الدولة على كافة المستويات، وهذه الهيئات تشمل عادة السلطات المركزية الثلاث: التشريعية والتنفيذية والقضائية، وكذا المؤسسات التي تراقب وتشرف على عمل الجهات الحاكمة، كما يفترض أن تضم هذه الهيئات مؤسسات عامة مثل البنك المركزي والسلطات المحلية، فلكل دولة نظام حكم وأجهزة حكم خاصة بها، وهو ما لا يتوفر في حالة الكيان الوهمي الذي لا عملة له ولا بنك مركزي ولا سلطة محلية له ولا منتخبون ولا حتى مرافق عمومية بتندوف السجن الاضطراري الكبير لصحراويي الجزائر .

الكيان الوهمي ومحاولة سرقة صفة “جمهورية”

أما آخر المقومات اللازمة لقيام دولة من الدول فهي “السيادة” بمعنى أن تتوفر في الدولة سلطة عليا ذات قدرة فعلية على بلورة نظام سياسي معين داخل مساحة محددة وتطبيقه على السكان القاطنين، دون الخضوع لأي عامل أو كيان خارجي، علما أن البوليساريو هو كيان مصنوع وتابع بالضرورة للنظام الجزائري، كما أنه كيان لا يشكل سلطة عليا، على اعتبار كونه كيان يفتقر لعنصر السيادة سواء على الأراضي التي ليست له، كما أنها ليست في حيازته، مرورا إلى عنصر السكان الذي لا يتوفر عليه، بالنظر إلى أن جل المجموعات العرقية التي يتكون منها التنظيم المسلح ليست سوى مجموعات عرقية متنوعة منهم مغاربة وموريتانيون وجزائريون وماليون وطوارق بجنسيات وأوراق ثبوتية مختلفة، وعجزت البوليساريو على دمجهم في مجتمع واحد، وتحت هوية واحدة، سوى ما تدعيه الجزائر من كونهم ذويي جنسية مغربية، كما ليس لهم أوراق ثبوتية تعود لكيان البوليساريو ككيان موحد تحت لواء واحد أو اسم دولة موحدة بعينها، بالشكل الذي جعل الوضعية القانونية لساكنة مخيمات تيندوف تبقى مبلقنة، ولم تحظ من الجزائر بأوراق اللاجئين، كي لا يتم إحصاؤهم أو التعريف بعددهم الحقيقي الذي يحاولون مضاعفته عشرات المرات حتى يرق المنتظم الدولي لحالهم.

ومن جهة أخرى، يتحتم أن تحظى سيادة الدولة باعتراف دولي يشمل دولا أخرى، ومنظمات دولية، وجهات عامة وخاصة، وهو ما لا يمكن أن ينطبق على البوليساريو التي لا تحوز اعترافا من قبل هيئة الأمم المتحدة، كما لا يندرج اسمها ضمن قائمة دول العالم المعترف بها دوليا، إضافة إلى كون الغالبية الساحقة من المعترفين بها في سنوات الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي سحبوا إجمالا اعترافاتهم بها في العشرية الأخيرة، فلم يبق أمامها سوى بقية متبقية من الدول المعدودة على رؤوس الأصابع، وجلها يدخل في خانة الدول المفلسة، كما هو الحال بالنسبة لفنزويلا التي انتزع منها حقها في التصويت داخل الجمعية العامة للأمم المتحدة، وذلك بسبب الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعيشها، وعدم أدائها للديون المثقلة لكاهلها، وهي في ذات الوقت تعد بمثابة الدولة الوحيدة في أمريكا اللاتينية التي تجاهر باعترافها بجمهورية البوليساريو المزعومة، وتعبر عن مواقف عدائية حيال المغرب.

 

تنظيم مسلح يجب إعادة النظر في وجوده من قبل المنتظم الدولي

 

وبذلك، فعدد الدول التي اعترفت سابقا بالبوليساريو ضعيف جدا ومرشح في أغلب الأحوال للتقلص، حيث من المتوقع أن  تتم تعرية واقع الجبهة في نهاية المطاف على كونها مجرد تنظيم مسلح يجب إعادة النظر في وجوده من قبل المنتظم الدولي عموما وإفريقيا على وجه التحديد.

فبحسب القانون الدولي، فسيادة “الدولة” تتمثل بمدى الصلاحية التي تمارسها لتطبيق سلطتها على الساحة الداخلية، وممارسة نشاطاتها بكل حرية، داخليا وخارجيا، وبقدرتها على الدفاع عن نفسها وإدارة شؤونها، وهو الأمر غير المتاح بالنسبة لتنظيم البوليساريو الذي ينشط فوق أرض تابعة ترابيا لإدارة الدولة الجزائرية وتتحكم في إرادة الجبهة وقادتها في كل صغيرة وكبيرة. فأين مبدأ السيادة من الأمر؟ لذلك يمكن القول إن تنظيم البوليساريو هو تنظيم مسلوب الإرادة والسيادة لأن لا أراضي له يقيم عليها سيادته بالكامل فهو ضيف أو محتضن على أراضي الجزائر، وهو ما يفسر تحكم الجزائر في ملف النزاع حول الصحراء المغربية واعتبار نفسها طرفا ضمنيا في الصراع.

ومع ذلك، فإن سيادة الدولة وما تنطوي عليه من حقوق وصلاحيات لا تجعل الدولة فوق القانون، على اعتبار أن انصياع الدولة للقانون الدولي، والتزامها بالتعهدات والاتفاقات الدولية، لا يمسان بسيادتها، وهنا يمكن القول إن البوليساريو لم يتمكن إلى اليوم من توقيع اتفاقيات معينة مع دول بعينها لكونه لا يرقى لمستوى الدولة أصلا حتى يطبق عليها هذا البند من القانون الدولي.

وبالمقابل، يظل المنتظم الدولي برمته يتعامل مع مخيمات تيندوف على أنها لا تتجاوز كونها مجرد مخيمات للاجئين ينتظر تسوية وضعيتهم كلاجئين دائما سواء من طرف البلد المضيف الجزائر أو من خلال تفريق المخيم وإعادة كل ذي أوراق ثبوتية إلى بلده الأم سواء كان من المغرب أو الجزائر أو موريطانيا أو النيجر أو مالي أو الطوارق وإحصاؤهم، وبالتالي تصفية وضعيتهم الاعتبارية كحالة شاذة في المنطقة وإغلاق المخيمات بلا رجعة.

تيندوف السجون والزنازن ومراكز التعذيب ومخافر العسكر

وأخيرا وليس آخرا، فإن أهم مقومات قيام الدولة هو عنصر الاستقرار الذي يغذي باقي عناصر تكوين الدولة من سكان، وأرض، ونظام حكم، وسيادة، بحيث تحتاج الدولة لقيامها إلى توفر نوع من الاستقرار، وإلى ما يكفي من الموارد والقدرات، ليس فقط من أجل ضمان كيانها، وإنما من أجل تحقيق أهداف أخرى مثل توفير خدمات لمواطنيها في كافة المجالات، من رفاهية وتعليم وصحة وثقافة، وهو مالا ينطبق على مخيمات تيندوف التي لا مدارس ولا مستشفيات ولا مرافق إدارية واجتماعية واقتصادية فيها، ولا حتى شبكة الاتصالات هاتفية ولا انترنيت على أراضيها ولا حتى أراضي معبدة ومجهزة ولا بنايات سكنية ولا مرافق ضرورية، ولا مظاهر للحياة الطبيعية باستثناء السجون والزنازن ومراكز التعذيب ومخافر العسكر ومجموعة من الخيام القابلة للتهديم في أي وقت وحين.

اللهم إلا إذا قررت الجزائر منح الجبهة منطقة تيندوف لتكون أرض وطن ودولة لنازحيها، وهي فرضية تبدو بعيدة بالنظر لكون الجزائر بدورها بدأت ملامح التعب والفشل تطفو على أوضاعها السياسية العامة بعد أن تأكد لها بالملموس وأمام توالي نجاحات المغرب في استقطاب الرأي العام الدولي لصالح قضيته الأولى بالشكل الذي جعل اليأس يدب في مفاصلها ببطء وهي تتأكد يوما بعد آخر بكونها أضحت المتورط الأول والأخير في مشكل لاجئين فوق أراضيها وهي مجبرة في النهاية بوضع حل سياسي لهم على أراضيها، وهو حل يتراوح بين أن تتنازل لهم عن رقعة تيندوف الجغرافية لتصبح موطنا للاجئيها الذين جمعتهم بصعوبة من عدد من دول والحدود الترابية للمنطقة، أو أن تعمد إلى تفكيك تجمعات المخيمات وترسل كل جزء من اللاجئين إلى بلدانهم الأصلية تحت مراقبة دولية وتجريدهم من السلاح، وكذا تقديم الفارين منهم للعدالة داخل بلدانهم الأم، وذلك تجنبا لمأساة إنسانية عمرت لما يقارب نصف قرن من الزمن وأصبحت بؤرة لتصريف الإرهاب والجريمة العابرة للحدود والمتاجرة بالبشر والسلاح والمخدرات.

علما أن الجزائر بدورها بدأت تبحث عن حل لمعضلة تواجد كيان مسلح على أراضيها في شكل عناصر البوليساريو، وهو ما دفعها في الأشهر الماضية إلى محاولة التخلص من الكيان الوهمي بمحاولة الإلقاء بهم نحو المنطقة العازلة بالكركرات باعتبارها منطقة عازلة وآمنة دوليا، وذلك بعد تزايد خناق الأزمة الحالية التي تعيشها الجزائر بفعل تدني أسعار البترول وتفاقم الأزمة الاقتصادية بالبلاد وتأجج الاحتجاجات وتزايد الأصوات المستفسرة عن مآل ملايير الدولارات من عائدات نفط سنوات ازدهار تجارة مبيعاته، بالشكل الذي دفع الجزائر إلى التصعيد ضد المغرب حد إعلان القطيعة بحثا عن مصالحة جزائرية داخلية على حساب افتعال أزمات خارجية مع الجيران، وهو ما تم تدبيره من طرف جلالة الملك بالحكمة المتبصرة التي يفوت على نظام الجزائر إلهاء المملكة المغربية في حرب فارغة المضمون.

وبذلك، فقد حان الوقت للنظر في مدى أحقية الجمهورية المزعومة في العضوية داخل الاتحاد الإفريقي وقد حان الوقت لتشريح مقومات دولة أو جمهورية كما يحلو لزعماء تنظيم الجبهة تسميتها اللهم إلا إذا كانت الجزائر موافقة على إعلان أرض تيندوف موطنا لجمهورية البوليساريو المزعومة وسينتهي الموضوع حينها في نقطة بدايته.

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

error: محتوى خاص