حاورته / دة. لطيفة نفيل
البروفسور عبد المالك احزرير أستاذ العلوم السياسية بجامعة المولى إسماعيل بمكناس، ورئيس مجموعة الدراسات والأبحاث في السياسات العمومية في البحر الأبيض المتوسط، ورئيس مختبر الدراسات والأبحاث القانونية والسياسية والدولية، وعضو بالجمعية المغربية للعلوم السياسية بالرباط، وكذا منسق ماستر في السياسات العمومية، كما يشغل البروفسور احزرير منصب استاذ تعليم عالي يدرس بعدد ممن الجامعات الوطنية والدولية ومتخصص في الشأن الافريقي حيث كان لنا معه الحوار التالي:
سؤال: تعد العلاقات المغربية الغابونية من علاقات الصداقة المغربية الإفريقية المتينة. هل يمكنكم بوفيسور الحديث عن تاريخها؟
جواب: العلاقات المغربية الغابونية هي أولا وقبل كل شيء، علاقة تقليدية لأن تاريخ الخمسينيات وكذا فترة الستينيات من القرن الماضي، عرفت حرب زعامات وصراع زعامات على القارة الإفريقية، وكان البعض من زعماء القارة ينتمون إلى مربع الزعامات الذي يضم المغفور له الملك الحسن الثاني وقبله المغفور له الملك محمد الخامس وعدد من الزعماء الأفارقة مثل وفيت بوهلكي وأحمد سيكوتوري. وفي هذا السياق كان الحاج عمر بونغو يحاول الدخول إلى هذا المربع ليكون من القادة العرب والأفارقة الأوائل بإفريقيا من الذين لهم كلمة عليا في القارة، ونظرا لحجم القيمة التي تمتلكها دولة الغابون المنتجة للبترول والغاز الطبيعي وما يعطيها من قوة تؤهل الغابونيين للحصول على أعلى دخل فردي في إفريقيا بحيث يحتل المرتبة الثالثة كأعلى دخل فردي في إفريقيا، والذي يصل إلى 330 دولارا للفرد الواحد، وبطبيعة الحال فالغابون تزخر بموارد طبيعية متعددة، وهي المعطيات التي تخول لها كدولة إمكانية الزعامة السياسية بين أبرز القادة الأفارقة الذين يحسب لهم ألف الحساب. فعمر بونغو اتخذ منهجية سياسية معتدلة في الخط الليبرالي وقد وصلت العلاقات المغربية الغابونية أوجها في فترة حكم جيسكارديستان بفرنسا، وكانت قد أطلقت عهدا بين المغرب والغابون ومن ثمة توطدت العلاقة بين البلدين في إطار علاقة صداقة وعلاقة رؤية وعلاقة تنبني على رؤية أن الزعامة تخرج من الباب المغربي بحيث أن الزعامة التي رغب فيها الحاج عمر بونغو كان يريد لها أن تخرج من المغرب بالنظر لمكانته بالقارة الإفريقية وقوته، وبكونه أحد الأعمدة القوية المؤسسة للاتحاد الإفريقي بطبيعة الحال كان لهذه العلاقة العضوية على المستوى الدبلوماسي أنه تعد الغابون من الدول المؤيدة لقضية الصحراء، وهي أيضا تعد من الدول التي أيدت خروج المغرب من منظمة الوحدة الإفريقية بحيث سارعت الغابون حينها بالزيارات الدبلوماسية للمغرب، وذلك من أجل تقديم رسالة سياسية تقول إنه سواء كان المغرب حاضرا أو غائبا عن منظمة الوحدة الإفريقية، فالأمر سيان بالنسبة للغابون التي تدعم ملف المغرب بخصوص قضية وحدته الترابية.
سؤال: عرفت الظرفية الراهنة العديد من التحولات السياسية والاقتصادية التي تطبع علاقات “جنوب جنوب”. كيف ترون ذلك بروفيسور في علاقة المغرب بالغابون وعدد من الدول الإفريقية الصديقة والشريكة اقتصاديا؟
جواب: لا بد لنا أن نؤكد أنه وفي ظل التغيرات الظرفية السياسية العالمية وما تعيشه من تغيير للاستراتيجيات التي كانت تنبني على ما هو سياسي، وتحولها للتركيز على ما هو اقتصادي في علاقة الدول فيما بينها. فقد عمل جلالة الملك محمد السادس على ترجمة علاقات الأخوة والصداقة والتعاون مع دولة الغابون إلى ما هو اقتصادي يعززه جو الوئام السياسي الذي يجمع بين البلدين .
فالعلاقة التقليدية التي تجمع المغرب والغابون تم استثمارها اقتصاديا فالوئام السياسي والدبلوماسي والرؤيا المعتدلة بخصوص عدد من القضايا في العالم جعلت المغرب يسعى للاستفادة من علاقته مع الغابون، وهي العلاقة التي تتجاوز البعد الدبلوماسي والسياسي أي البعد الاستثماري بحيث إننا وجدنا أن الغابون أصبح كما يطلق عليه في الأدبيات الدبلوماسية منظومة نظام إقليمي متميز تهدف إلى تقوية موقع الشركات والمقاولات المغربية في الغابون بحيث إنه من المعلوم أن الغابون تعد أحد أهم المزودين للغاز على مستوى العالمي، إذ يحتل المرتبة 18 بالنسبة للمغرب كمزود، كما يعد العاشر على المستوى الإفريقي كمزود على المستوى العالمي، وهذا راجع أولا للعلاقة التاريخية والسياسية وحتى البشرية التي تجمع البلدين بحيث يمكن وصفها بالعلاقات الاستثنائية على المستوى الرمزي، والتي تترجم بتعدد الزيارات ما بين جلالة الملك والرئيس علي بونغو زيادة على الشراكات المتعددة والأبعاد التي تجمع البلدين في مجال السكن والسياحة والفلاحة والبيئة والبنية التحتية والنقل والمجال الصحي والمجال الطاقي والمعادن، وكذا فيما يخص المحافظة على البيئة وتكوين الأطر الذي يمكن القول بشأنه وتحديدا على مستوى التعاون الثقافي أن عدد من الطلبة الغابونيين يتجهون نحو المغرب باعتباره الشريك العلمي والأكاديمي على مستوى المنح الدراسية، وهذه القوة ذات الطابع الاستثماري ومكانة العلاقات من الناحية السياسية والدبلوماسية، والذي تبلور بتدشين القنصلية العامة للغابون بمدينة العيون بداية هذه السنة، والتي كانت تعبر عن تأييدها لمغربية الصحراء من خلال العديد من التظاهرات واللقاءات بين الأطراف وتحديدا الطرف المغربي في إطار وحدته الترابية، وزيادة على ذلك فإن العلاقة بين الدولتين هي كذلك تعززت في إطار ما يسمى في المغرب بالمخطط الاستراتيجي للغابون والدول المنفتحة والصاعدة في هذا الإطار، وهو ما تعززه بعض المنتديات الاقتصادية التي تجمع عددا من الفاعلين الاقتصاديين بين المغرب والغابون في إطار التنمية وهي المنتديات ذات الطابع الثنائي التي تتكثف لقاءاتها للرفع من الطموحات التي إرادتها الدولتين.
سؤال: عرفت العلاقات الاقتصادية المغربية الغابونية طفرة نوعية في العشر سنوات الأخيرة. ما هي أهم مرتكزات هذه الشراكات في نظركم بروفيسور؟
جواب: بمراجعتنا للشراكات الثنائية بين البلدين، سنجد اللجنة المشتركة والمختلطة ما بين المغرب والغابون والتي أعطت نوعا من الدينامية لهذه العلاقة وتقوية التعاون بين المغرب والغابون وبين المغرب والاتحاد الإفريقي، وبذلك يمكن القول إن هناك علاقات سياسية جد مهمة تتمثل في الوجود التجاري والصناعي والمتمثل في تعدد الشركات المغربية الناشطة بالأراضي الغابونية واستثمارها في عدد من القطاعات الاستراتيجية، وهذه طبيعة الحال بين الفكر والرؤية البانا إفريقية أو البانا افريكانيست التي تجمع بين البونغو والمغرب، والتي تسير في إطار التعاون الإفريقي الغابوني، ولا شك أن هذا التعاون بدوره متعدد الأبعاد ويعبر عن إرادة الزعيمين المغربي والإفريقي.
معلوم أن الغابون دولة ذات موارد طبيعية هامة وقوية على المستوى الإفريقي، توازيها قوة المغرب في الخبرات والتجارب الخاصة بالتسيير والتدبير الاقتصادي والاستثماري داخل القارة الإفريقية إلى أن أصبح المغرب يمتاز بصيت عربي وإفريقي وحتى دولي رائد في هذا المجال بالشكل الذي أصبح يزعج نوعا ما العديد من الدول الإفريقية، وهو ما عبر عنه العديد من متتبعي الشأن الفرنسي بإفريقيا في عدد من المداخلات التي أصبحت تعترف بكون المغرب يعد اليوم شريكا دوليا وفاعلا اقتصاديا، بما يعني أن التجربة التي راكمها المغرب في علاقاته الاقتصادية مع عدد من دول إفريقية تسير في إطار العلاقات المتينة والصداقات القوية التي تجمع المغرب والغابون، وهو ما دفع بزعيمي البلدين للسعي نحو لعب الأدوار الكبرى على المستوى القاري، وبما يعزز علاقات “جنوب- جنوب”، وهي علاقات بنيت على التضامن والمعالم المتبادلة بصيغة “رابح- رابح”.
سؤال: تعد الغابون من الدول الإفريقية السباقة لدعم القضية الوطنية الأولى للمملكة المغربية. كيف تحللون هذا الدعم بروفيسور ؟
جواب: بطبيعة الحال، فالغابون هي من الدول التي تحترم السيادة الداخلية للمغرب ولا تتدخل في شؤونه الداخلية، ولها علاقات غير محدودة مع دول إفريقية عدة، ولاشك أن تصريح وزير الخارجية الغابوني، ألان كلودبيلي، إبان افتتاح القنصلية الغابونية بالأقاليم الجنوبية للمملكة، جاء في سياق دعم الغابون اللامشروط للوحدة الترابية للمملكة المغربية وسيادتها على أراضيها، وهو الدعم الذي لا يخص فقط قضية الصحراء أو العلاقات الدبلوماسية، وإنما يعني أيضا فتح علاقات ديناميكية للتعاون بين البلدين، ولا ننسى أنه حاليا وفي مجال الاستثمار والذي أود التركيز عليه بحيث إننا نجد أن الشركات المغربية التي استثمرت في مجالات اقتصادية ومالية وبنكية، وكذا في مجال الاتصالات والمجال البيئي والتامين والمعادن وغيرها وهي الاستثمارات التي من شأنها أن ترفع من مستوى النسيج الاقتصادي المحلي، وفي إطار توزيع المعرفة وتبادل التجارب ولا ننسى أن المغرب سيكون نافع للغابون، وكذا كل الدول المجاورة كالسنغال ومالي ومجمل الدول الإفريقية الصديقة التي تكن للمغرب الاحترام والتقدير. وما يهمنا الآن هو أن نضع مجمل هذه العلاقة في خانتها الأساسية وهي التعاون “جنوب- جنوب” وأيضا في خانة “رابح – رابح” والتي تعبر عن دينامية جديدة مباشرة لدى المقاولات المغربية في إفريقيا وهي الدينامية الواضحة على مر الفترة مابين 2000 وـ2011، والتي جعلت من دولة ذات دينامية عالية في إفريقيا، بحيث أصبح المغرب المستثمر الثاني في إفريقيا الجنوبية وهو ما يحيل إلى الدور الهام للغابون في تموقع المغرب على المستوى الإفريقي ولا ننسى أن ما يربط المغرب بالغابون ينطلق أيضا من عمق العلاقات الشخصية التي تطورت ويعود لها الفضل تحديدا في تجذر العلاقات بين البلدين إلى هذا المستوى المتين الذي يجمع بين قائدي البلدين والذي ترجم على شكل إرادة قوية تجعل المغرب دولة قادرة على تفعيل دور الحكامة.
وعلى مستوى الاتفاقيات بين البلدين، فقد عرفت تراكمات كبيرة والتعاون بين البلدين بدأ منذ سنة 1972 والى حدود سنة 1999 بما يخص عهد المغفور له الملك الحسن الثاني، والذي بين على وجود علاقة قوية تتجاوز الجانب الدبلوماسي لتدخل في إطار علاقة تقنية والأهمية الاستراتيجية التي تلعبها هذه العلاقة بالمصادقة على عدد من الاتفاقيات المتعلقة بالتبادل التجاري والاستثماري، وبالشكل الذي جعل مجمل أنواع هذا التعاون تكرس وتأخذ طابعا قويا ومتينا ترجم على شكل اتفاق سنة 1982، حيث أنشأت اللجنة المختلطة المغربية الغابونية والتي تعد احد ميكانيزمات المتابعة والتطور الخاص بالتعاون الثنائي بين البلدين والذي يعتمد على خلق مؤسستين تنطلق على أسس التعاون والتفاهم وخلق منتديات اقتصادية يمكن أن تلعب دورا هاما وقد ترجمت هذه العلاقات في شكل زيارات ملكية لدولة الغابون في شهر مارس من سنة 2014 والهادفة لتكريس مبدأ “رابح- رابح” وبحيث إنه منذ اعتلاء جلالته العرش وتقلد الرئيس علي بونغو سدة الحكم في بلاده فقد حاولت الغابون أن تستفيد من الخبرة المغربية على مختلف الأصعدة السياسية والاقتصادية والثقافية وحتى على مستوى تحليل الرؤى الاستشرافية بحيث ساهمت التجربة المغربية في خلق مرصد للتكهنات الاقتصادية بالغابون بحيث يمكن القول إن الغابون استفادت من الخبرة والتجربة المغربية في إطار الشراكة ولا ننسى أن هناك العديد من الاتفاقيات التي وقعت بين المغرب والغابون سنة 2014 خلال الزيارة الملكية للغابون، وهي اتفاقيات ذات بعد تنموي نظرا لتجربة المغرب في المجال الفلاحي، والتي عرفت ببرنامج المخطط الأخضر وكذا في القطاعين المالي والبنكي وكذا القطاع الصناعي والخدماتي فقد وصلنا إلى 195 مليون دولار أمريكي تسد ما يناهز 15 بالمائة من نسبة حجم المعاملات المغربية في إفريقيا.
سؤال: من الواضح أن هناك نقط استراتيجية مشتركة بين المغرب والغابون بالشكل الذي يعزز استراتيجيتهما السياسية في التعاطي مع الإشكاليات الدولية المطروحة. في نظركم بروفيسور ما هي أهم هذه المرتكزات المشتركة بين البلدين؟
جواب: معروف إن الغابون تعد من الدول التي اختارت استراتيجية السلم والسلام في علاقتها بحدودها الجغرافية داخل القارة الإفريقية، وهي الحدود التي ورثت عن الاستعمار الفرنسي والانجليزي تاريخا من الصراعات الحدودية بين الدول الإفريقية وكان المغرب والغابون من الدول السباقة للبحث عن السلم والسلام بإفريقيا وهو ما جعل دولة الغابون تدخل إلى منظومة الحكماء الأفارقة بحكم اختياراته السياسية كدولة معتدلة قابلة للسلام وهنا تكمن نقطة التقاء التوافق في العلاقات بين البلدين.
سؤال: وماذا عن مستقبل العلاقات بين البلدين؟
جواب: أعتقد أن للبلدين مستقبل يسير في إطار رؤيا استراتيجية بعيدة المدى. فمعلوم أن المغرب يسعى للدخول في منظومة التكتلات الإفريقية ومنها تكتل غرب إفريقيا “سيداو” وخاصة أن تجربته وثقل الغابون يمكن أن تساعد المغرب فيما يخص تجربته من الناحية الاستثمارية وكذا الثقل الاقتصادي للغابون لابد وان يلعب دورا هاما في دخول المغرب لتكتل “سيداو”، خاصة وأن هيكلة “سيداو” أو “الأكواس” تكون على عاتق لجنة عمل حكومية لمكافحة غسل الأموال ومكافحة الإرهاب في غرب إفريقيا “GIABA”، وبالنظر لمتانة صداقات المغرب داخل هذه المنظومة والمتكونة من 15 دولة الآن وبعد انسحاب موريطانيا فإن المغرب بإمكانه أن يكون فاعلا أساسيا ويلعب دور الزعامة داخل هذا السوق الذي يطمح إليه ويدخل هذه السوق بدعم من الأصدقاء الأفارقة ومن ذوي الحظوة على مستوى الشأن الإفريقي الاقتصادي وخاصة لدى الدول الفرانكفونية كالغابون والكوت ديفوار وغينيا، وذلك ليتسنى للمغرب لعب دور هام في القرن الإفريقي في مجال الاستثمار ومكافحة الإرهاب.